-A +A
عبداللطيف الضويحي
لا تنقص الكيان الإسرائيلي الحيلة والأدوات في توسيع نطاقات احتلاله وتثبيت ذلك الاحتلال وترسيخ كيانه الغاصب على حساب الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وعلى حساب أي قيمة حضارية وضد المشاعر الدينية وضد الأرض ومن عليها وما تحتها وما فوقها. حتى لو كانت هذه الأرض وما عليها وما حولها ذات قيمة استثنائية عالميا كمدينة القدس حضاريا ودينيا وثقافيا.

الإسرائيليون يدركون حجم تحديهم للعالم من خلال إجراءات تهويد واقع القدس، ويدركون المخاطر المترتبة على الحفريات التي يقومون بها منذ سنوات تحت المسجد الأقصى وحائط البراق والتضييق على المقدسيين والإجراءات التعسفية المتكررة التي يقومون بها ضد الفلسطينيين عموما، ويدرك الإسرائيليون أنهم في كل ما يقومون به من إجراءات إنما هم يمشون في حقل ألغام، وهذا ما يفسر اختيارهم لأوقات اقتحام زعاماتهم السياسيين وجيشهم ومستوطنيهم للمسجد الأقصى والمدد الزمنية لتلك الاقتحامات.


الإسرائيليون يسابقون الزمن في مشروع تهويد القدس وبالأخص المسجد الأقصى وحائط البراق لكي يفاجئوا العالم بالهيكل المزعوم بالتزامن مع إسقاط المسجد الأقصى أو إزالته على مراحل.

هذه السياسة الإسرائيلية المستميتة والمتسارعة هي ما يفسر حالة الذهول والصدمة وردة الفعل العنيفة التي عكستها تصريحات وردود أفعال زعامات الكيان الإسرائيلي خلال اليومين الماضيين جراء تصويت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) خلال اجتماع الخميس الماضي في العاصمة الفرنسية على قرار ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق. حيث صوتت 24 دولة لصالح القرار، رغم أن إسرائيل بذلت جهودا مضنية للحيلولة دون صدور القرار أو التخفيف من لغته. القرار يدين كذلك الانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة والإجراءات غير القانونية التي يتعرض لها العاملون في دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس.

يعرف الإسرائيليون أن نجاحهم بتهويد القدس وخاصة المسجد الأقصى وحائط البراق، يكفي لحسم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فرغم أن إسرائيل محتلة للضفة الغربية وغزة وأراضي 48 من فلسطين، إلا أن الصراع برمته يمكن لإسرائيل تحويله لصراع على الأرض كأي صراع بين أي دولتين أو أي طرفين، إلا القدس فهو صراع تعلم إسرائيل أنه يتجاوز الصراع على الأرض، بل ويتجاوز الصراع بين الطرف الإسرائيلي الفلسطيني. ولهذه الأهمية، استنفد الكيان الإسرائيلي كل السيناريوهات والإجراءات والحيل للالتفاف على الحجج الدينية والحضارية والديموغرافية فضلا عن الجغرافية.

يعد تصويت اليونسكو بعدم وجود ربط أو صلة بين الديانة اليهودية والمسجد الأقصى وحائط البراق أمرا بالغ الأهمية في هذه المرحلة. لأن أكثر من خبير آثار إسرائيلي نفوا وجود الهيكل، فكأن قرار اليوسنكو يتوج إجهاض هذه الادعاءات التي يسوقها السياسيون الإسرائيليون لكسب اليمين الإسرائيلي والإجهاز على القدس والضفة الغربية ككل، كما أن هذا التصويت يعد مهما لتزامنه مع الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية التي شهدت سرقات المتاحف العربية والمواقع الأثرية خاصة في العراق وسوريا، والتي يعتقد البعض أن هناك سياسة إسرائيلية تقف وراء ما حل بتلك المتاحف والمواقع خدمة لمشروع تجذير التاريخ اليهودي في فلسطين بجانب بعض العصابات والفكر المتطرف في المنطقة.

المطلوب فلسطينيا وعربيا وحضاريا، أن يتم استثمار قرار اليونسكو من قبل القانونيين الفلسطينيين والعرب وغير العرب، للطعن بالإجراءات الإسرائيلية في كل دول العالم قبل أن ينشب الفأس بالرأس، ويزيل الإسرائيليون الهوية العربية والإسلامية والمسيحية للقدس من خلال إزالة أيقونة الأقصى وحائط البراق. لأن نجاح الإسرائيليين بإزالة المسجد الأقصى وحائط البراق، يعني تحويل الصراع الحضاري العالمي ضدها إلى صراع فقط حول الأرض بين شعبين، وعندها سيجري على القدس وعلى كل النضال الفلسطيني ما جرى ويجري للضفة الغربية أو عرب 48، وغزة من تقطيع أو تذويب أو حصار.

كثير ما تكون الأزمات سببا في صناعة الفرص، ويجب أن يكون تصويت اليونسكو فرصة لأهلنا الفلسطينيين ليتحول معها العمل الفلسطيني من موقع ردة الفعل إلى موقع الفعل. عبر منابر العالم ليس فقط في مسألة القدس والأقصى والبراق، ولكن من خلال إشعال محاكم العالم وإعلام العالم والمنظمات الإنسانية في العالم وبشكل يومي بآلاف الجرائم والفظاعات التي ارتكبها ويرتكبها الكيان الإسرائيلي منذ استزرعته بريطانيا والمستعمرون في فلسطين وفي منطقتنا.